أخبار من الأراضي المقدسة

كلمة المطران يوسف زريعي في اجتماع الكهنة

٨ ١٠ ٢٠١٣



كلمة المطران يوسف زريعي في اجتماع الكهنة
 يوم الاثنين 30 ايلول 2013


باسم سيدنا يسوع المسيح الذي اختارنا واعطانا ان نؤمن به وندخل نحن اولا في الخلاص المجاني المقدم لنا ولكل البشرية. وباسم صاحب الغبطة ابانا وبطريركنا الحبيب غريغوريوس اطال الله عمره  وحفظه في هذه الخدمة السامية على رأس كنيستنا وخاصة هذه البطريركية، وقد اتصلت به السبت الماضي وهو يبعث لنا جميعا بتحياته مع بركته الرسولية بمناسبة هذا الاجتماع. ارحّب بكم في هذا العام الطقسي والليتورجي الجديد.

 مثل كل عام السنة الطقسية تبدأ بتكريم امنا العذراء مريم بطروبارية "السلام عليك....." وتنتهي برقادها. وفي آخر آب  نقوم بتكريم ثوبها  متضرعين اليها ان تهب للعالم السلام.

إن العذراء مريم هي بدء خلاصنا هي باب الخلاص، وهي شفيعة هذه البطريركية للكرسي الأورشليمي "القدس" اذ ثلاث كنائس من كنائسنا تحمل اسم سيدة البشارة ( كاتدرائية القدس ورام الله ويافا) وكنيستان تحمل اسم الأم البتول (بيت لحم) وسيدة الرعاة (بيت ساحور).  والعذراء مريم دائما تتشفع لأجلنا، فهي واقفة بجانبنا عند معموديتنا، حيث  نولد من جديد في حضن الكنيسة ونلتقي لا بل نلبس المولود منها ربنا والهنا ومخلصنا وسيدنا يسوع المسيح. فنحن ايضا مثل القديس يوحنا المعمدان، شفيع كنيستنا في رفيديا، نرتكض حبا وفرحا. وكنيستنا "اللقاء" في بيت حنينا تؤكد لنا فرحة اللقاء. ولكن فرحتنا اكبر بكثير  لدى اقترابنا من المسيح مثل يوحنا المعمدان او سمعان الشيخ، بل نفرح ونتهلل ايضا عند تناولنا يوميا جسده ودمه الأقدسين، وباتحادنا بالمسيح ربنا والهنا نذهب وننطلق مثل القديس جاورجيوس، شفيع كنيستنا في الطيبة، ونجاهد مثله بكل شجاعة وبسالة، ونبشر بالمسيح ونخدمه إلى حدّ الاستشهاد، محاربين الشرير بأسلحة ايماننا ومحبتنا ورجائنا  ويرافقنا سلاح الصوم. ان مكايد ابليس الذي يحاول أن يهزمنا ويحطمنا ويدخل فينا اليأس والاحباط وخاصة الانقسم بيننا، مستعملا تجارب وخطايا كثيرة مثل قلة التواضع فينا (الكبرياء) والحسد، وقلة المحبة، وكثرة النميمة، وإدانة الآخر، وحبّ المال والتعلّق به، مما يبعدنا عن التفكير الجادّ والمستديم بالرب يسوع.

اشكركم على قبولي بينكم كمطران ونائب بطريركي. ومن هو المطران الا ذاك الشخص الذي من واجبه ان يراقب ويسند كهنته أولاً، وأن يوجّه ويرشد أبناءه وبناته في الأبرشية، مفصّلاً بإحكام كلمة الحق، متكّلاً بإيمان على نعمة الله بالصلاة والصوم والسجود أمام الرب. والكاهن من ناحيته هو في شركة مع أسقفه، ويعمل معه وبدافع التزامه الكهنوتي وغيرته الرسولية في الحفاظ على أبناء رعيته وحملهم إلى القداسة.   

ان صلواتنا الطقسية التي نصليها في صباح كل يوم في هذه الكنيسة مع كهنتنا وراهباتنا، وكذلك الصلوات في كنائسكم، تدعونا دائما الى التوبة. هكذا بدأ سيدنا يسوع المسيح رسالته باعلان بشارة قبول ملكوت الله بالتوبة، ثم راح بعظته على الجبل يدعونا الى معرفة الخطايا. هذه الخطايا تعرقلنا في تقدمنا في الحياة الروحية. لذلك علينا نحن الكهنة ان نردد دائما صلاة العشار: "اللهم اغفر لي أنا الخاطئ وارحمني "

إنه من الصعب أن نتخلص من بعض الخطايا فينا، مثل قلة التواضع والكبرياء (او الحساسية الزائدة التي هي من عائلة الكبرياء). أما بخصوص العفة، فللأسف الشديد، اكتشفت، مع دخول التكنولوجية الحديثة في حياتنا، أن كثيرين من المكرسين يقعون في فخاخ المواقع الالكترونية الاباحية في الانترنت. اما المال فهو فخ آخر  نقع في عبادته  لدرجة اننا ننسى حب الله والسجود له. وماذا أقول عن قلة محبتنا لبعضنا البعض وللقريب، وايضا محبة أعداءنا والذين يضطهدوننا ويسيئون الينا. إنني أجد أننا مستعبدون لهذه الخطايا التي تجعلنا كالموتى روحيا. هنا يأتي الخلاص المعطى لنا بالمجان بآلام وموت وقيامة سيدنا يسوع المسيح، وبايماننا به وصراخنا اليه حتى يخلصنا من  أمراض نفوسنا هذه. يأتي سيدنا وربنا  يسوع المسيح الحي والقائم من الموت، ويغمرنا بروحه القدوس ويصنع فينا المستحيل، نعم المستحيل وأكرر المستحيل، ويقيمنا نحن اولا من موت خطايانا، متحدين بالابن ومملوئين من الروح القدس، فنجد ذواتنا في حضن الله الآب نتبادل السلام والحب معه. إنها لعمري الحياة الالهية بذاتها نعيشها منذ الآن!

الكاهن هو اولا وقبل كل شيء هذا المائت الذي قام من الموت ويختبر هذه الحياة الآبدية. لذلك حياتنا كلها تعبر عن الفرح، تخيلوا مريضاً على فراش الموت، اذا شفي فجأة أيبقى معبّسا؟ لا، بل ينطلق بفرح ويخبر الجميع بما صنعه الرب إليه:
                                  
    فالأعمى بسبب خطاياه اصبح يرى ويشاهد جمال وجه الله امامه وفي داخله                             
    والأصم  يسمع صوت الله الذي يكلمه ويقول له انه يحبه فيفرح بصوت الحبيب.  
    والقلب المتحجر صار من لحم يتفجر حبا لله ولاخوته وايضا لأعدائه
    والأبكم يقوم ويفتح فاه ( مثل زكريا) ويمجد اسم الله القدوس بصلواته واناشيده في وسط الحميع
    والمتكبر يقوم ويمتلىء تواضعاً، لأن البحث عن المظاهر العالمية و "العنتظة" أو مدح الآخرين له لا تعنيه بشيء
    والبخيل اوالمتعلق بالمال يقوم  ويفتح بفرح محفظته، ولا يبحث عن أي مكافأة، ويعطي بتهليل مثل زكا العشار.                       
    والمخلع اوالختيار ينتصب ويتحرك  كالشاب رغم تخلّعه وشيخوخته وينطلق لخدمة الجميع
    والذي لا يعرف أن يصلّي نراه عند قدمي يسوع، مثل الذي أخرج منه يسوع الشياطين وعاش بين القبور، نراه صحيح العقل يفرح بحب وسلام وهو يشاهد وجه الله.
    والضعيف امام الشهوات الجنسية  يقوم ويجد قوة تحرره منها ليرى وجه الله

نختبر هذه القيامة كمسيحيين اولا ثم نذهب كرسل وانبياء  وكهنة  نبشر بحب  بهذا الخلاص.
                                
هذا هو قلب وجوهر  رسالتنا: التبشير بالخلاص باعلان كلمة الله وخدمة الأسرار المقدسة، حتى يتكوّن في رعيتنا هذا الجسد الواحد، هذا القطيع الواحد، هذه الكرمة الواحدة، هذه السفينة الواحدة في وسط امواج الحياة،  هذه الكنيسة الواحدة  مع كل الرعايا الاخرى والأبرشية كلها، هي واحدة مع كل الكنيسة الجامعة في كل العالم. والمحبة والوحدة تميزان  هذه الرعية وهذه الكنيسة الواحدة.  

 نعيش كل ذلك  في وسط حياتنا اليومية مع ضيقاتها وآلامها نعيشها حاملين صليبنا اليومي بايمان وحب ورجاء. كما  تحثنا رسالتنا المقدسة الى الاهتمام  بامور كثيرة :

    رسالتنا تحثنا على النظر  الى الصعوبات اليومية من مشاكل عائلية نواجهها بصبر ومحبة
    رسالتنا تحثنا على البحث عن الامكانيات المادية في مساعدة المحتاجين من ابنائنا وبناتنا خاصة المرضى  والطلاب منهم  
    رسالتنا تحثنا الى النظر الى الصعوبات السياسية والاجتماعية التي تحيط بنا، فالروح القدس يوجهنا ويقودنا حتى نواجه هذه الصعوبات بايمان ومحبة ورجاء وبقوة كلامنا واعمالنا. لا يمكننا ان نبقى غير مبالين، بينما اخوتنا في الوطن الواحد يتألمون من ظلم الاحتلال وايضا اخوتنا في البلاد المجاورة  يُضطهدون  بسبب الارهاب والعنف.
    رسالتنا تحثنا الى العمل لأجل السلام بين الجميع. فطوبى لنا اذا فعلنا هكذا فأبناء الله ندعى
    رسالتنا تحثنا الى العمل لأجل الوحدة بين جميع المسيحيين بصلاتنا والعلاقات والخدمات  والمناسبات المسكونية
    رسالتنا تحثنا الى العلاقات مع المسلمين واليهود ولا نترك تعصب بعضهم يؤثر على علاقاتنا مع ذوي الارادة الطيبة

 باسم صاحب الغبطة اشكركم على خدمتكم السامية. فلننطلق بغيرة رسولية جديدة منبثقة من قوة العنصرة، ولنذهب بنعمة وفرح القيامة لنعمل معا في حقل الرب. وبشفاعة امنا العذراء مريم وجميع القديسين فليباركنا في رسالتنا هذه الله الآب والابن والروح القدس الاله الواحد آمين.