صاحب الغبطة يوسف

بيان البطريرك غريغوريوس الثالث بعد التفجيرات الإرهابية في دمشق

٢١ ٢ ٢٠١٣

 


 

كلمة غبطة البطريرك غريغوريوس الثالث لحَّام الكلِّيّ الطُّوبى
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والاسكندريَّة وأورشليم
للرُّوم الملكيين الكاثوليك
على أثر التفجيرات في دمشق
يوم الخميس 21/2/2013

 



"تحنَّن علينا. وأغثنا"
تفجيراتٌ ثلاثة متلاحقة هزَّت دمشق وهزَّت قلوبنا وأدمت نفوسنا وجرحت مشاعرنا وتفجَّرت الدُّموع من مآقينا، وارتفع صوتنا بالصَّلاة والأدعية. ولسان حالنا صوت والد ذلك المريض يصرخ بأعلى صوته إلى المعلِّم السَّيِّد المسيح: "إن استطعت شيئًا، فتحنَّن علينا وأغثنا" (مرقس 9: 22).

 إنَّنا نترحَّم على الشهداء والضحايا وكلُّهم أبناء سورية الأحبَّاء من المدنيين، من الطُّلاب والأطفال والمواطنين الآمنين. ونطلب الشِّفاء العاجل للمصابين والسُّلوان للمحزونين. ونُطلق صرخةً من أعماق قلوبنا إلى العالم أجمع، وإلى الضمير العالمي، إلى الرُّؤساء، إلى المؤسَّسات، إلى الدُّول، إلى المحافل العالميَّة، إلى دُعاة السَّلام، إلى قداسة البابا، إلى المجالس الأسقفيَّة في العالم المسيحي، إلى قادة الدُّول العربيَّة... ونُناشدهم أن يصغوا إلى أصواتنا، وإلى آلام ومعاناة شعب سورية. ولا يجوز لأحد أن يتنصَّل من مسؤوليَّته تجاه القتل والعنف والدَّمار والتفجيرات وزرع الفتنة والحقد والكراهية والعداء بين أبناء الوطن الواحد.

 ونُجدِّد دعوتنا إلى العالم أجمع لوقف تدفُّق السِّلاح إلى سورية. كما نطالب المجتمع الدُّولي ودول كثيرة في العالم بأن تدعم سورية، في المساعي المبذولة لأجل تحقيق مسيرة الحوار، تمهيدًا للحلِّ السِّياسي للأزمة.

 إنَّنا ندعم جهود الحوار. فهذا برنامج سورية، حكومةً وشعبًا. وهذا تراثنا، وهذه قناعتنا. ونناشد جميع نشطاء السَّلام والحائزين على جائزة نوبل للسَّلام أن ينضمُّوا إلى مسيرة سورية لأجل الحوار والمصالحة.

 كما أنَّنا من منطلق إيماننا ومسؤوليَّتنا كبطريرك، نتوجَّه إلى مجلس الأمن، وإلى الاتحاد الأوروبي، وإلى الدُّول الصَّديقة، وإلى جميع الدُّول، وبخاصَّةٍ إلى أصدقائنا الكثيرين، كنسيين ومدنيين، في أوروبا الغربيَّة ولا سيَّما فرنسا، وألمانيا، والنِّمسا، وإنكلترا، وإيطاليا، أن يبذلوا جهودًا حثيثةً جادَّة لدى حكوماتهم لأجل دعم الحلِّ السِّلميّ، والحوار السُّوريّ _ السُّوريّ، وإيقاف تسليح المحاربين.

 ونتوجَّه بهذا النِّداء بنوعٍ خاصّ إلى روسيا والولايات المتَّحدة الأميركيَّة، أن يُتابعا الجهود الصَّادقة الهادفة لأجل دعم مسيرة الحوار والحلِّ السِّلميّ الشامل. لقد عيل صبر النَّاس. وتعاظمت وتفاقمت معاناتهم في كلِّ تفاصيل حياتهم ومعيشتهم اليوميَّة.

 كما نتوجَّه بنوعٍ خاصّ إلى قداسة البابا وإلى المسؤولين في دولة الفاتيكان، لكي يقوموا بمبادرة سياسيَّة كنسيَّة كاثوليكيَّة. لما للفاتيكان من نفوذٍ روحيٍّ عالميّ.

 ومن جديد ندعو بنوعٍ خاصّ أبناء أبرشيَّتنا البطريركيَّة الدِّمشقيَّة إلى الصَّوم والصَّلاة في أيَّام الصَّوم الأربعيني المبارك، لأجل الأمن والأمان والسَّلام في سورية. ولأجل إنجاح مساعي الحوار والمصالحة.

 دعاؤنا حارّ ومستمرّ إلى السَّيِّد المسيح المخلِّص الإلهي أن تنتهي هذه الأزمة الخانقة، وينتهي درب صليب معاناة المواطنين، بأفراح القيامة. بشفاعة أمِّنا مريم العذراء سيِّدة السَّلام!

قداسة البابا اثناء زيارته إلى لبنان في أيلول 2012، عبَّر عن ألمه من أجل سكان المنطقة: "الذين يبدو أنهم يعيشيون آلام مخاض بدون نهاية... هذه المنطقة التي رأت ولادة ديانات كبرى وثقافات نبيلة... لماذا تعيش في جوِّ عاصف؟ لقد اختارها الله، لكي تكون نموذجية، لكي تشهد أمام العالم أنه بإمكان الإنسان أن يعيش عمليًّا في السلام والمصالحة."

ويذكّرنا قداسته بقيمٍ هي في صلب الإنجيل المقدّس، حيث يقول إنه: "يجب احترام الكرامة الإنسانية، كرامة المعتدي وكرامة الضحية بالمقابل... وهذا يخلق مناخًا من الاحترام والاستقامة والمودّه. حيث يمكن الاعتراف بالأخطاء وتنقية القلوبح للتقدّم سويّة نحو المصالحة. ليفكّر رجالات الدولة والمسؤولون الدينيّون مليًّا في ذلك." ويشدِّد قداسته على التوبة وتغيير الذهنية ويدعونا لنقول: "لا للثأر! ونعم للمغفرة. لأنَّ المغفرة الممنوحة والمقبولة تضع الأساسات الدائمة للمصالحة والسلام للجميع." (روما 12، 16+18)

         + غريغوريوس الثالث

بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والاسكندريَّة وأورشليم
             للرُّوم الملكِّيين الكاثوليك